• ٦ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ذكريات طفولتي المؤلمة

د. فوزية الدريع

ذكريات طفولتي المؤلمة
◄عالم الطفولة عالم يحدد كلّ المراحل المقبلة من حياتنا. هو خلاصة ما مررنا به نحن الناضجين ونحن صغار.

معظمنا ينسى ما مر به من تجارب مؤلمة. وهذه قد تبدو رحمة، ولكنها وفي الوقت ذاته ليست رحمة، لأنّ الإنسان إذا كان يعرف شيئاً سيئاً من طفولته ربما يحل المشاكل ويفهم ما يحصل له.

ولكن كثيرين من عقدة أب يضرب أو أُم تستهزئ أو تحرش جنسي لا يحملون الوجع بذكرياته الواضحة، ولكن فقط بإحساسه ويتفاعلون بشكل سلبي لا شعوري معه.

هناك فئة تعرف وتتذكر هذه الذكريات السلبية، ولكنها لا تجيد كيف تتحكم فيها.

كثيراً ما سمعت عبارات مثل: "أنا أعرف أنّ أبي هو عقدتي، لكني لا استطيع حيال ذلك شيئاً"، "أدري أعصابي نتيجة قهري من أمي التي عرفت أنّها تخون أبي، لكني لا أقاوم الضحك واللعب بمشاعر الرجال"، وغيرها من صور عديدة من هذا النوع من المشاكل.

من دون شك فإنّ جروح الطفولة، سواء أكانت مكبوتة ونذكرها أم لا نتذكرها، ولكن نتفاعل مع نتائجها، أو طفحت على الذاكرة بعد حين، أو ما غابت من الذاكرة، فهي في كلّ الأحوال تؤثر فينا حسب نوعها. ولأنّنا نتحدث عنها كمشكلة فنحن نتحدث عن طفولة سيئة.

من باب حبك لنفسك ولأجل التشافي قولي لها: "تفاعلي مع الوجع الذي حصل لي لأنّه كان تفاعلاً قديماً قبل زمن العقل والمنطق. الآن أنا إنسان ناضج عندي رؤية مختلفة وقدرة منطق وتحليل لما حصل، يمكن لا يكون الصح مع الغضب برد الفعل معه".

أياً كان الخطأ الذي مورس عليك، فلا عذر لجاني سواء أكان ما تم: ضربة كف من أبيك، كلمة جارحة من أُمك، تحرشاً جنسياً من إنسان قريب أو غريب.

نعم، لا عذر للجاني. ويجب أن يحصل كلّ جاني على عقابه. لكن هناك منطق (الجريمة والعقاب) فنحن لسنا مخولين للعقاب. هناك سلطة وهناك السلطة الأعظم، سلطة وقدرة ربّ العالمين.

فهناك أمور الله وحده يقرر فيها. والاعتقاد بذلك رحمة لك كإنسان غاضب. وماذا أعظم من ترك الأمر على الله القادر.

صحيح أنت قد ترى نفسك ضحية وتم التعدي عليك، من إنسان ناضج ضعيف فقد عقله، وإنسانيته، وإحساسه، إلخ. ولكن صدقني هذا الإنسان مهما ماتت الإنسانية في داخله، في لحظة الأذى، يشعر بالذنب والخوف من أن يُرد له الأذى في يوم من الأيام.

فكر في الأمر بعقلانية فإنّه مع كلّ الألم والتعب الذي تشعره وأنت ضحية أيها أهون أن تكون جانياً أم ضحية؟ فبالطبع ضحية أهون. ولا تستهن بقوتك، لقد صبرت سنوات وعشت وعانيت ودرست ورأيت الحياة.. إذن أنت قوي وقابل للاستمرار.

والأهم إذا أنت شعرت بأنّ الدنيا عاكستك ولم تعطك ما تستحق. أظن آن الأوان لتحب نفسك وتجعلها تستمتع بباقي الرحلة. ►

ارسال التعليق

Top